Sunday, September 7, 2008

خطيئة أن تكوني أنثى


منذ ولادتكِ محكومة بالموت, منذ خروج أنوثتك للعلن, تحيط بك ألغاز الاختفاء وطلاسم الاندثار, منذ ولادتك يسطرون اسمك في دفاتر الجرائم, لأنك مشروع مجرمة, مشروع خاطئة, مشروع قتيلة.. من قال لك أن تولدي بصفة أنثى, من قال لك, أن تحملي صورة الجمال, وتولدي بجسد مخصص للذة ممنوع عليك?



من قال لك أن تحملي سر الكينونة والخلق? من قال لك أن تكوني سر التكاثر, وسر البقاء?من قال لك, أن تولدي في غياهب الشرق?




من قال لك, أن تدخلي الحياة عارية, وتفضحين عريهم, وتوصدين أمامهم أبواب الجنة, لأن لك جسداً يوقظ شبقهم, لأن لك جسدا يحمل صورة أمهم, يحمل صورة حواء المتهمة الأولى, وأنت ضحية الانتساب إليها?

تحضرين ولحضورك صفة اللطم, لحضورك الصدمة الكبرى, تحيلين ثلوجهم نارا موقدة وتستمرين بإشعال حرائقهم اليومية, وتقرعين طبول اللذات في أقفاص صدورهم, توقظين فيهم أوكسجين الشهوة, فيشخر شهيقهم وزفيرهم بأصوات لا يريدونها أن تعلو, يريدونها خرساء, ويريدونك جسداً, يمتلئ جمالا, ويموت حساً... توقظين كل ذرات فحولتهم... نعم... لكنك ميتة الوجود طاغية الحضور في لياليهم, لكنك صورة للعبادة مرهونة للامتلاك, ولا يحق لك أن تمتلكين, حتى ذاتك, هي خارجة عنك, هي لهم وليست لك.أنتِ أيتها الأنثى, المجللة بالعار, المَكسُّوة بعوراتهم...




أنتِ أيتها الأنثى, ممهورة بخاتم العبودية, تحملين الذئب في نهمك, والثعلب في احترازك, والكيد في عينيك, والخطيئة من رأسك حتى كاحليك, لذا تُصدَر الشرائع وتُسَّن القوانين خوفاً منك وعليك! تُسَطر الأقوال, وتُبتَكر الوسائل لضغطك وصهرك وتعليبك وحفظك بعيدا في غياهب الأرض, في غياهب الذاكرة والتاريخ, لا تُذكَرين إلا عندما يُراد لكِ أن تخرجي للعلن, صورة يريدونها أُضحية, قرباناً لأعرافهم, قرباناً لقيمهم, كما يرونك فيها, من دون أن يدركوا أنك مرآة عيوبهم, وأنك مرآة وجوههم المتعددة, أنك مرآة جشعهم ونزواتهم...






أنك مرآة ضعفهم, ويعتقدون أنهم بأسركِ سيربحون كل الجولات. يعتقدون أنهم بخنق صوتك سيكسبون كل الحروب, وبالتالي فموتك هو نصرهم المؤزر على إخفاقاتهم وكبواتهم, على ضعف حيلتهم أمام طغيان حضورك الأنثوي.كنتِ هكذا على مر الزمان, وقبل أن يخرج الذكور الى غابات الصيد وصنع الأقفاص, قبل أن تدرك الذكورة معنى الخسارة من دون حروب, ومعنى الانكسار دون معارك, ومعنى السقوط من دون مقاومة.لكنهم عقدوا المؤتمرات وأصدروا الأحكام والدساتير للتضييق والخنق...






أفلحوا كثيراً, وكنتِ على الدوام طريدتهم وبؤرة الصيد في أرضهم, أشعلوا الحرائق في ديارك وفي حقولك, جعلوا منك وقوداً لدفء النفس الضعيفة, وكلما أبديتِ قوةً رموكِ بالصفات الملعونة, وكلما قاومتِ قوانينهم, اخترعوا شرائع غيبية لإرغامكِ وإخضاعكِ, وأنبتوا ذرائع سماوية خارجة عن إرادتهم! لجعلك طوع البنان ورهن الدور المرسوم, ورهن دائرة أن تكوني أنثى, فهذا يعني أن تبقين في الظل, في الخلف...




في أقبية التاريخ, تصنعين سعادتهم, وتوقدين نفسك لمباركة خطاهم وهكذا يقدرونك, أُماُ لكثرتهم, أُماً مُسَّخرةً للتضحيةِ, مُسَّخَرة لنكران الذات يحاصروك بجُمَلٍ منمقة لأسركِ, يجعلون من هذه الأناشيد السلبية قيودا لإخضاع تمردك, الذي يهدد وجودهم ورجولتهم.استطعت رغم الحصار التاريخي, أن تخرجي عن طوعهم, أن توقدي شموع حريتك, أن تنتزعي دورك في ساحات الحياة, وأن تنتصري لأنوثتك, تنتصري لجسدك, أن تمتلكي ذاتك وقرارك...






هذا حصل ويحصل في بعض دول العالم الآخر, خارج دائرة الشرق المتخلف, خارج إطار العادة المقدسة في تحويلك لجثة تمشي, وخيال يمرر رغباتهم, وببغاء يردد ترهاتهم, هذا الشرق الحالم, الشرق غير الفاعل, بل المفعول به على الدوام, ويريد أن يفعل بك, ليبدو فاعلا! أمام نفسه على أقل تقدير, وإلا كيف يَكسب جولاته?! لولا إسقاطات ضعفه وخذلانه أمام جبروت الانكسارات والهزائم متعددة الوجوه, فكيف ينتصر إذن?! كيف يبرر خساراته المستمرة منذ قرون? عليه أن يُلَّفعكِ, أن يحفظك بعلبٍ تمشي, عليه أن يخفيك وراء حُجب وستائر يلونها بشعائر ويتحفها بأشعار تدللك وتدلل عليكِ كبضاعة يُسوِقها لتربح أنظمتهم وترتفع أسهم قوانينهم, رغم استنكار العالم الآخر لهشاشتها وقِدَمِها, واهتراء واصفرار أوراقها المتساقطة بفعل ضرباتك المتكررة على أبوابٍ أوصدوها بوجه معاول مقاومتكِ وتمردكِ.في الشرق مازلتِ مُعَّدة للتعميد, مُعَّدة للوأد, بينما لو خرجت على هذه الشرائع الصفراء, بينما لو خرجت عن طوق الالتزام, لو حاولت امتلاك زمام الحياة, زمام أمركِ, لا يحق لك أن تكوني إلا لهم, فعليك وحدك تقع كل أعباء شرفهم...






شرفهم مُعلق الأهداب بهذا الجسد الذي تملكين... لهذا تلاحقك سيوفهم... تلاحقك سكاكين الذبح وتُنصَب لأجلك شراك الصيد, وأعواد المشانق, ومن ثم تُعدُ الأفراح وحفلات الرقص على جثتك. هكذا قتلوا هدى وزهرة... ومنذ أيام مَثَلوا بجسد" الدرداء " ابنة السابعة عشرة في إدلب, وهكذا راح أحد الآباء الفلسطينيين... مفتخراً, بأنه قهر العدو وانتصر على إسرائيل! لأنه اكتشف أن شرفه في جسد ابنته... دفنها حيةً ترزق بعد أن كبل يديها وقدميها... تركها تموت تحت التراب في حفرة أعدها لوأدها, وراح يقول للعسكر... بفخر: "عاد شرفي الضائع في فلسطين... عادت قريتي... وعاد بيتي... فابنتي هي من سلب كل ما أملك... ابنتي هي سر انتصار إسرائيل"!








يبدو أن الشيطان لا ينصب شباكه إلا لك أيتها الأنثى, ولا يتمكن إلا منك... لأن الرجل المُذَّكر هذا, يمتلك قدرات خارقة لا يستطيع الشيطان التغلب عليها... فأنتِ وأنتِ فقط من يتقمص الشيطان. أنت فقط من يوقع الذكورة في حبائل الشباك المعدة أنثوياً...






أنت من يملك مفتاح انكساره ومفتاح انهياره, على قدميك تخر قواه... وأمامك يصبح ريشة ضعيفة في مهب الريح, وبمجرد أن يُشبعَ غرائزه الهائجة وأوداج فحولته المنتفخة, يهرب ويلوذ بفرار الرجولة, ثم يصبح جندياً في فريق اصطيادكِ, يُسَّخر كل ذرائعه لتصبحين منذورة مهدورة الدم, ففي فنائك يَكمُن وجوده, وتنتصر رجولته, وترتفع أسهم شرفه, ويستعيد مكانته الشرعية والقومية والوطنية.... لهذا تُناصِرُه الحكومات والأنظمة, وتَخترعُ له قوانين مُخففَة, كي لا يُسَجل في لوائح القَتَلة والمجرمين, لأن قتلك ليس جريمة! والخلاص منك غنيمة... لأن موتك بالتالي لا شيء.. لا شيء...!فقد سُحبت منك صفة الإنسانية منذ ولدت في عالم شرقي الأعراف ومتخلف القوانين...






أنتِ مُلك هذه القوانين, أنتِ مُلك الدولة, عليك أن تقبلي بالامتلاك, أن تقبلي بتسجيل نفسك رهينة لدى المجتمع... رهينة لدى والدك وأسرتك ومن ثم زوجك, رهينة برسم قانوني مجتمعي الصنع, ومصدق من أعلى القمم السلطوية في دفاتر الدساتير الوطنية... ولهذا حين تخرجين من البيت... تصبحين خارج حدود القانون... خارج شريعته... فاحذري الانزلاق مع الشيطان الملتصق فيكِ كظلكِ, احذري مطبات تتصيد حركاتك وسكناتك, وتعد عليك أنفاسك. فموت الدرداء وهدى وزهرة ونجلاء و... و... كلها أمثلة حية لترضخي, كلها دروس لتستسلمي لعبوديتك, لن ينصروك, إن لم تنتصري لنفسك, وبخاصة أن الكثيرات من بنات جنسكِ مَن سَخَّرنَ رؤوسهن للإيقاع بك, ودخلن أقفاص العبودية برضاهُنَ أو مكرهات, رضين ولا يردن أن تكون إحداهُن مختلفة... يخشين كل متمردة, يخشين كل مختلفة, يحشُدنَ الطاقات مع الجنود الذكور, ويساندن موتك ويستعذبن سلخ جلدكِ المباح لهن بفعل قوانين تصنع منك ومن جسدك طبلاً لأناشيد تُسَبحَ باسم موتك وتهلل لوأدك.كوني أنثى رغما عنهم, كوني أنتِ...






كوني سيدة عليكِ, وسيدة خارج إطار سيادتهم. اصنعي دولتك, اصنعي شرعيتكِ, اصنعي عالمك, وانتصري لك ولابنتك... ليومك... لغدك, كي تلتحقي بعالم يبتعد من عالمك بفراسخ طويلة, ومع رجل يؤمن بك, بإنسانيك تصنعان عالما حراً, عالماً من دون تمييز.. عالما أساسه رجل وامرأة يتكاملان, ويمتلكان أنفسهما, ولا ملكية أو ثأر لأحدهما عند الآخر.






نقلا عن صحيفة "السياسة" الكويتية*
للكاتبة فلورنس غزلان

5 comments:

"Gay Boy" Weekly (Blogger Ricky) said...

مقالة رائعة جدا

فعلا الانثى محكومة بالسجن المؤبد بمجرد ولادتها انثى

والمثلي محكوم بأن يصمت لانه مثلي

فعلا مجتمعات مقززة

شكرا على نقل المقالة المعبرة

Shams Al-Ma7aba said...

هلا والله بالغالي "Gay Boy" Weekly

اي المقالة واايد معبرة ومجتمعاتنا واايد مقززة ..

ياريتني من الصين او امريكا او اي مكان مافي شي اسمه عرب وتخلف وارهاب ورجعية ..

ياربي شكثر اعااني :(


زين انه اعجبك الموضووع ومرحبا بك بكل وقت عزيزي

Shams Al-Ma7aba said...

الصراحة اسلوب الكتابة و الكلمات المستخدمة في هذي المقال روعة وتعبير رائع

ولكن صح الدول العربية فيها تخلف والمرأة هي سبب الشر إي مو اهي الي خلت ادم ينطرد من الجنة هاهاهاي



أنتِ أيتها الأنثى, ممهورة بخاتم العبودية, تحملين الذئب في نهمك, والثعلب في احترازك, والكيد في عينيك, والخطيئة من رأسك حتى كاحليك, لذا تُصدَر الشرائع وتُسَّن القوانين خوفاً منك وعليك!

خوفاً منك وعليك!

وشكرا gay boy على الرد

والمثلي محكوم بأن يصمت لانه مثلي

لانه مثلي

تحياتي

"ع"

Doddy said...

مقالة معبرة
شكرا على نقلها

ولابد من يوم تنتهي المعاناة

تحياتي لكما

Shams Al-Ma7aba said...

تحياتي لك عزيزي السعودي

وشكرا على مرورك وتعليقك واتمنى انكم تقروون آخر مواضيع شهر اغسطس لانه محد ماعطني ويه هههههههههههه