من مدينة وجدة سأروي لكم قصة شاب مثلي عانى الأمرين، اسمه" أمين". حياته أصبحت جحيما، جريمته هو أنه كان يريد العيش مثله كباقي البشر. هذه القصة واقعية لا خيال. بعض الأحداث لم أعرفها عنه اٍلا من طرف بعض الجيران تلك التي تتعلق بطفولته أما عدا ذلك ،فكل ما تبقى رأيتها بأم عيني. هذا الشاب كان يعيش في حينا و لم يعد الآن كذلك ، لقد رحل عنا، فهو حي و ميت في نفس الوقت. منذ صغره كان يميل الى نفس الجنس، كان يحب اللعب مع البنات، ولا يعرف شيئا عن عالم الذكور. كان له 5 اٍخوة و كان هو رابعهم .
.
اخوه الثاني كان يقسو عليه ، كان يغير منه كثيرا، فقد كان أمين جميل جدا مقارنة مع باقي اخوته ، يخطف الأنظار. أمه تزوجت صغيرة و لم يكن باستطاعتها الاعتناء بهم كلهم و بزوجها الطائش، فكانت تصب جل غضبها عليه ، لن تتصوروا ماذا كانت تفعل به !!! لقد كانت تربطه بحزام كبير من رجليه بالسرير في غرفة مظلمة و تتركه يبكي وحيدا وهو مازال ابن 3 سنوات. و كان أبوه بمجرد ما يسمع صراخه يحمل ويرميه على الأرض بقوة حتى يفقد قواه. الى درجة أصبح فيها يهرب من المنزل ، لكن سرعان ما كانوا يجدونه.
.
استمرت الأحداث المريرة و هاهو الوقت يمر الى أن رحل هو وعائلته الى حينا . في تلك المرحلة كان مراهقا . فالتحق بالاٍعدادية لتبدأ سلسلة أخرى من المعاناة. لقد واجه صعوبة في التأقلم مع جو جديد ، ففي الحي كان هناك شبان كثر من بينهم أنا ، لم يكن يكلمنا بثاثا ولم نكن نعرف لماذا ، و لكنني الوحيد الذي أدرك حقيقته فقد كنت ألاحظه كثيرا حتى علمت أنه مثلي. ولم أشأ أن أخبر أحدا. ولكن الشيء الجيد أن كل أهل الحي كانوا يحبونه و يشكرونه لأنه كان يحترمهم، و كان مؤدبا جدا و لا أحد يعرف بمثليته لغاية الآن، ماكان يريد أن يكلم أحدا حفاظا على كرامته و كرامة أهله. فتعلق كثيرا بالدراسة ، و لكن سرعان ما كان مستواه الدراسي يتدنى بسبب الضغوطات التي كان يواجهها بالاعدادية. حيث كان يسخرون منه زملاءه بسبب تصرفاته المختلفة عنهم ، وكان غالبا ما يضربه الاساتذه ، حيث كان زملاءه يكيدون له بأفعالهم الجهنمية و ينادونه بالخنثى. و كثيرا ما كان يعود الى البيت و هو يبكي . وذات مرة رأيته يعود الى البيت و و جهه و يداه ملطختان بالدماء حيث صفعه أستاذ للغة الفرنسية . و الغريب في الأمر أن والداه لم يفعلا شيئا آنذاك.
.
و بعد انتقاله اللى مرحلة الثانوية، اختار ان يدرس في ثانوية بعيدة حتى لا يلتقي مع نفس تلاميذ المرحلة الاعدادية. ولكن كانت المسافة بعيدة، كان يقضيها مشيا على الأقدام و كثيرا ماكنت اراه يبكي، بل أحيانا كان يبكي يومبا عندما يذهب للدراسة و يعود الى المنزل، وكنت اتساءل ماذا يحدث له في البيت ، فاكتشفت أنه كان يذهب للدراسة دون طعام ، و كانا والداه يقسون عليه ولا يعطوه المال لقضاء حاجياته الدراسية، رغم كون عائلته كانت ميسورة الحال. بل لم يكن يجد ما يرتديه ، و لايتحمم اٍلا مرة في أسبوعين. أما عن اخوته فحدث و لا حرج. فكان يتعرض للضرب باستمرار حتى يكاد يغمى عليه. كان نحيلا، و كانوا ينادونه بالمعاق. ولكن رغم ذلك يا أصداقي، آه لو رأيتموه، كان دائما يحافظ على ابتسامته اللطيفة ،لقد كان رائعا في الجمال ، فعيناه كانت زرقاوتين كلون البحر الصافي و تتلألآن بحث تحس ببرائته وهو ينظر اليك، كما كان يحافظ على صلاته خاصة صلاة الجمعة والفجر في المسجد و يقرأ القرآن و لا يقول الكلام الفاحش.
.
لم أستطع الأقتراب منه يوما لأنه كان يخجل كثيرا، مرة واحدة تمكنت ان أكلمه، سألته اٍن كان له أصدقاء، لكنه كان يتهرب من الجواب ، فاحسست أنه كان خائفا من أكتشف مثليته ، فخشيت أن أربكه، فتبادلنا الحوار حول دراسته فأخبرني بطموحاته، بعدها تركته لأنه غالبا ما كان ليريد أن يتحدث مع أحد. كنت دائما اتسائل ماذا سيكون مصيره ، لم أكن أدرك حينها أن مستقبله كان على حافة الجرف ، و بأن طموحاته قد اندثرت ولم يبقى فيه سوى بريق من تلك العينين الجميلتين. فبعد حصوله على شهادة الباكالوريا بميزة حسن جدا علمت بأنه كان يحلم بأن يدرس صحفيا أو في أحد المؤسسات الخاصة ، حيث كل اخوته كانوا قد تابعوا دراستهم في مدارس عليا في فرنسا و بلجيكا و الرباط. و لما جاء دوره فاجأه أبيه بالرفض بحجة أنه لم يخصص له مالا لمواصلة دراسته. بل صرخ في وجهه عندما حاول أن يدافع عن حقه كباقي اخوته في التعلم . فاستسلم لأمر الواقع و التحق بالجامعة. هنا يبدا عالم آخر من الضياع، فغابت ابتساماته و أصبح شاحبا شاردا. كان يستيقظ مع الخامسة صباحا حتى يتسنى له الصلاة و الفطور و حتى يقل الحافلة مع السادسة و النصف لأن الجامعة كانت بعيدة.
.
كان يدرس بكد، لكن مع كل هذه السنوات من العذاب و احساسه بالاٍختلاف جعلاه ضحية مجتمع . حل رمضان، وفي أحد الأيام وكانت الساعة تشير الى تمام 18:25 دقيقة ،أي أن وقت الفطور قد حل . في تلك اللحظة كنت مع الحانوتي اشتري بعض الحاجيات، فرأينا شخصا قادما من بعيد يحمل محفظة ممزقة فعلمت أنه أمــــــين عائد من الجامعة كعادته ، لكن رأيته مختلفا بحيث لم أراه من قبل وهو في تلك الحالة ، رأيته يتكلم مع نفسه و يقوم بحركات غريبة ، فقلت ربما أنه يخاطبني أو يخاطب الحانوتي ، و لكن اقتربت منه فوجدته يرتجف فقلت ربما البرد، لا، لم يكن كذلك، لم يكن البرد ، كان قد تبـول على نفسه، و رائحته نتنة . لم أفهم ماذا حل به، ما كان كذلك!!! اقتدته أنا و الحانوتي الى منزله و لم يقل كلمة واحدة. وفي اليوم الرابع بعد الحادث ، كان صباحا ممطرا و حزينا ، و كان قلبي يدق بسرعة اشفاقا عليه، فذهبت لبيته لاتفقده، ودققت على الباب لتفاجئني أمه ،فقالت لي أن أمــــــــين في مستشفى الأمراض العقلية بوجدة و ربما سيبقى لمدة طويلة.
صعقت فقلت ما هذا القدر و رحت لمنزلي ابكي و أشكي حالته لله. ماذا فعل ليستحق هذا القدر . لم يكن عمره تجاوز 19 سنة حتى. ماذا كانت جريمته يا ناس !!!
.
ذهبت للمستشفى و كان وسخا جدا و يعمه الناس و الفوضى ، وتم ارشادي اليه . فوجدته جالسا على كرسي في حديقة هو و مجموعة من المجانين ليس فيها ولو زهرة واحدة. و جدته كما لو كان غائبا عن الوعي ينظر الى شجرة كانت أمامه لا يتحرك و لا يتكلم ، لكن بريق عينيه مازال مضيئا،ليفاجأني شخص كان ممرضا فسألني اٍن كنت من أقربائه فظلت أنظر اليه بلا جواب فقال لي أنه " أي امين" يعاني من انفصام في الشخصية، أي انه قد جــــن....اي ان حياته قد انتهت......ولكن على الاقل قد ارتاح من معاناته مع الواقع المرير. سامحني يا امين لأنني لم اساعدك في شيئ لأنني بدوري كنت ابحث عن حل لذاتي. ساشتاق لابتساماتك العذبة ،
منقول من